كان الجدار الأسود يعلو أمامهم، يبتلع الأفق، ويجعل المدينة خلفه تبدو وكأنها أسطورة محجوبة. اقتربت نيرا من بوابة صغيرة محفورة في الجدار، عليها رموز متوهجة كأنها تنبض بالحياة. قالت بصوت منخفض: "هنا، عليك أن تختار يا لومي." اقترب الأرنب بخطوات مترددة، فظهرت أمامه مرآة غريبة، انعكاسها لم يكن صورة جسده، بل ذكرياته: أيامه مع والدته في الغابة الرمادية، ضحكاته مع أصدقائه، وأجمل لحظة حين أنقذ فارو من النهر. همست نيرا: "مدينة الألوان لا تفتح إلا لمن يمنحها قلبه." ارتبك لومي: "قلبي؟!" ابتسمت: "ليس حرفياً… بل عليك أن تتخلى عن أعز شعور لديك لتضيء المدينة من جديد." حينها فهم لومي — مدينة الألوان لم تكن مكاناً مادياً فقط، بل انعكاساً للمشاعر. كانت المدينة تموت لأن قلوب من فيها صارت خاوية. إذا أراد دخولها، عليه أن يمنحها أجمل ما يملكه: براءته وفضوله الطفولي. نظر إلى فارو، الذي قال بعينين دامعتين: "إذا كان هذا يعني إنقاذها… افعل." مد لومي يده نحو المرآة، وشعر بدفء غامر ينساب منه، ومعه ذكرياته الأصفى. في لحظة، انفجر الجدار الأسود إلى غبار لامع، وتدفقت الألوان إلى السماء. دخل الثلاثة المدينة، وكانت المنازل والحدائق تفيض ألواناً لم يروها من قبل، لكن لومي شعر أن شيئاً في داخله قد تغيّر — صار يرى العالم بعيون أكثر نضجاً، وأقل اندفاعاً. وقفت نيرا أمامه وقالت بابتسامة حزينة: "أنا أيضاً كنت زائرة مثلك… ووهبت مدينتي قلب طفولتي منذ زمن." ثم استدارت ومضت، تختفي بين الأزقة. أمسك فارو بيد لومي وقال: "لقد جلبت الحياة للمدينة… حتى لو فقدت جزءاً منك." ابتسم لومي بهدوء وهو ينظر إلى الأفق: "ربما بعض الأشياء لا نخسرها حقاً… بل نزرعها في مكان آخر." وهكذا، انتهت رحلة الأرنب لومي، لكن حكاية مدينة الألوان ظلت تنبض في قلب كل من دخلها.
رحلة الأرنب لومي إلى مدينة الألوان - الجزء الخامس والأخير
